كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لولا إذ سمعتموه} قذف عائشة وصفوان {ظن المؤمنون والمؤمنات} لأن منهم حمنة بنت جحش هلا كذبتم به {بأنفسهم خيرًا} هلا ظن بعضهم ببعض خيرًا أنهم لم يزنوا {وقالوا هذا إِِفك مبين} إلا قالوا هذا القذف كذب بين {لولا جاءوا عليه} يعني على القذف {بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك} يعني الذين قذفوا عائشة {عند الله هم الكاذبون} في قولهم {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة} من تأخير العقوبة {لمسكم فيما أفضتم فيه} يعني فيما قلتم من القذف {عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم} وذلك حين خاضوا في أمر عائشة فقال بعضهم: سمعت فلانًا يقول كذا وكذا وقال بعضهم: بل كان كذا وكذا فقال {تلقونه بألسنتكم} يقول: يرويه بعضكم عن بعض {وتقولون بأفواهكم} يعني بألسنتكم من قذفها {ما ليس لكم به علم} يعني من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق {وتحسبونه هينًا} تحسبون أن القذف ذنب هين {وهو عند الله عظيم} يعني من الزور {لولا إذ سمعتموه} يعني القذف {قلتم ما يكون} يعني ألا قلتم ما يكون {ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا} ولم تره أعيننا {سبحانك هذا بهتان عظيم} يعني ألا قلتم هذا كذب عظيم مثل ما قال سعد بن معاذ الأنصاري: وذلك أن سعدًا لما سمع قول من قال في أمر عائشة قال {سبحانك هذا بهتان عظيم} والبهتان الذي يبهت فيقول ما لم يكن.
{يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدًا} يعني القذف {إن كنتم مؤمنين} يعني مصدقين {ويبين الله لكم الآيات} يعني ما ذكر من المواعظ {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} تفشوا ويظهر الزنا {لهم عذاب أليم في الدنيا} بالحد {وفي الآخرة عذاب النار}.
{ولولا فضل الله} لعاقبكم بما قلتم لعائشة {وإن الله رؤوف رحيم} حين عفا عنكم فلم يعاقبكم {ومن يتبع خطوات الشيطان} يعني تزيينه {فإنه يأمر بالفحشاء} يعني بالمعاصي {والمنكر} ما لا يعرف مثل ما قيل لعائشة {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} يعني نعمته {ما زكا} ما صلح {ولكن الله يزكي} يصلح {من يشاء}.
فلما أنزل الله عذر عائشة، وبرأها، وكذب الذين قذفوها، حلف أبو بكر أن لا يصل مسطح بن أثاثة بشيء أبدًا، لأنه كان فيمن ادعى على عائشة من القذف، وكان مسطح من المهاجرين الأولين، وكان ابن خالة أبي بكر، وكان يتيمًا في حجره فقيرًا، فلما حلف أبو بكر أن لا يصله نزلت في أبي بكر {ولا يأتل} أي ولا يحلف {أولوا الفضل منكم} يعني في الغنى أبا بكر الصديق {والسعة} يعني في الرزق {أن يؤتوا أولي القربى} يعني مسطح بن أثاثة قرابة أبي بكر وابن خالته {والمساكين} يعني أن مسطحًا كان فقيرًا {والمهاجرين في سبيل الله} يعني أن مسطحًا كان من المهاجرين {وليعفوا وليصفحوا} يعني ليتجاوزوا عن مسطح {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أما تحب أن يغفر الله لك قال: بلى يا رسول الله قال: فاعف واصفح فقال أبو بكر: قد عفوت وصفحت لا أمنعه معروفًا بعد اليوم.
{إن الذين يرمون المحصنات} يعني يقذفون بالزنا الحافظات لفروجهن العفائف {الغافلات} يعني عن الفواحش يعني عائشة {المؤمنات} يعني الصادقات {لعنوا} يعني جلدوا {في الدنيا والآخرة} يعذبون بالنار يعني عبدالله بن أبي لأنه منافق له عذاب عظيم.
{يوم تشهد عليهم ألسنتهم} يعني من قذف عائشة يوم القيامة {يومئذ} يعني في الآخرة {يوفيهم الله دينهم الحق} حسابهم العدل لا يظلمهم {ويعلمون أن الله هو الحق المبين} يعني العدل المبين {الخبيثات} يعني السيء من الكلام قذف عائشة {للخبيثين} من الرجال والنساء يعني الذين قذفوها {والخبيثون} يعني من الرجال والنساء {للخبيثات} يعني السيء من الكلام لأنه يليق بهم الكلام السيء {والطيبات} يعني الحسن من الكلام {للطيبين} من الرجال والنساء يعني الذين ظنوا بالمؤمنين والمؤمنات خيرًا {والطيبون} من الرجال والنساء {للطيبات} للحسن من الكلام لأنه يليق بهم الكلام الحسن {أولئك} يعني الطيبين من الرجال والنساء {مبرأون مما يقولون} هم براء من الكلام السيء {لهم مغفرة} يعني لذنوبهم {ورزق كريم} يعني حسنا في الجنة فلما أنزل الله عذر عائشة ضمها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسه وهي من أزواجه في الجنة.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: أنزل الله عذري وكادت الأمة تهلك في سببي، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرج الملك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «اذهب إلى ابنتك، فاخبرها أن الله قد أنزل عذرها من السماء» قالت: فأتاني أبي وهو يعدو يكاد أن يعثر فقال: ابشري يا بنية بأبي وأمي، فإن الله قد أنزل عذرك قلت: بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك الذي أرسلك، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتناول ذراعي فقال بيده هكذا، فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها، فمنعته أمي، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقسمت لا تفعل.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: والله ما كنت أرجو أن ينزل فيّ كتاب الله، ولا أطمع فيه، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا فيذهب ما في نفسه وقد سأل الجارية الحبشية فقالت: والله لعائشة أطيب من طيب الذهب، ولكنها ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها، والله لئن كان ما يقول الناس حقًا ليخبرنك الله. فعجب الناس من فقهها.
وأخرج الطبراني عن الحكم ابن عتيبة قال: لما خاض الناس في أمر عائشة، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة فقال: يا عائشة ما يقول الناس؟ فقالت: لا أعتذر من شيء قالوه حتى ينزل عذري من السماء. فأنزل الله فيها خمس عشرة آية من سورة النور، ثم قرأ حتى بلغ {الخبيثات للخبيثين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: نزلت ثمان عشرة آية متواليات بتكذيب من قذف عائشة وببراءتها.
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن عائشة قالت: لما رميت بما رميت به، هممت أن آتي قليبًا فاطرح نفسي فيه.
وأخرج البزار بسند صحيح عن عائشة: أنه لما نزل عذرها قبَّل أبو بكر رأسها فقالت: ألا عذرتني؟ فقال: أي أسماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت ما لا أعلم.
وأخرج أحمد عن عائشة قالت: لما نزل عذري من السماء، جاءني النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرني بذلك، فقلت: بحمد الله لا بحمدك.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: لما نزل عذري، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل.
أمر برجلين وامرأة، فضربوا حدين.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: تفاخرت عائشة وزينب فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجي وقالت عائشة: وأنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعطل فقالت لها زينب: يا عائشة ما قلت حين ركبتيها؟ قالت: قلت حسبي الله ونعم الوكيل قالت: قلتِ كلمة المؤمنين.
وأخرج البخاري وابن مردويه عن ابن عباس: أنه دخل على عائشة قبل موتها وهي مغلوبة فقال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إن اتقيت قال: فأنت بخير. زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكح بكرًا غيرك، ونزل عذرك من السماء.
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت: خلال فيَّ تسع لم تكن لأحد إلا ما آتى الله مريم، جاء الملك بصورتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوجني وأنا ابنة سبع سنين، وأهديت إليه وأنا ابنة تسع، وتزوّجني بكرًا، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس إليه، ونزل فيَّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيها، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك إلا انا.
وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت: فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر. قيل ما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بكرًا قط غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة وقال تزوّجها فإنها امرأتك، وكنت أغتسل أنا وهو من اناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله نفسه وهو بين سحري ونحري، ومات في الليلة التي كان يدور عليَّ فيها، ودُفِنَ في بيتي.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن مجاهد في قوله: {إن الذين جاءُوا بالإفك عصبة منكم} قال: أصحاب عائشة عبد الله بن أبي ابن سلول، ومسطح، وحسان.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: الذين افتروا على عائشة حسان، ومسطح، وحمنة بنت جحش، وعبد الله بن أبي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عروة: أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن الذين جاءوا بالإِفك، فكتب إليه أنه لم يسم منهم إلا حسان، ومسطح، وحمنة بنت جحش، في آخرين لا علم لي بهم.
وأخرج البخاري وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك فقال: الذي تولى كبره منهم علي.
فقلت: لا. حدثني سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، كلهم سمع عائشة تقول: الذي تولى كبره عبد الله بن أبي قال: فقال لي فما كان جرمه؟ قلت: حدثني شيخان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أنهما سمعا عائشة تقول: كان مسيئًا في أمري.
وقال يعقوب بن شبة في مسنده: حدثنا الحسن بن علي الحلواني، ثنا الشافعي، ثنا عمي قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له: يا سليمان الذي تولى كبره من هو؟ قال: عبد الله بن أبي قال: كذبت وهو علي. قال أمير المؤمنين أعلم بما يقول فدخل الزهري فقال: يا ابن شهاب من الذي تولى كبره؟ فقال له: ابن أبي قال: كذبت. هو عليّ قال: أنا أكذب- لا أبا لك- لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت. حدثني عروة، وسعيد، وعبيد الله، وعلقمة، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن مسروق قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة رضي الله عنها فشبب وقال:
حصان رزان ما تزن بريبة ** وتصبح غرثي من لحوم الغوافل

قالت: لكنك لست كذلك قلت: تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله {والذي تولى كبره منهم لهم عذاب عظيم} قالت: وأي عذاب أشد من العمى؟! ولفظ ابن مردويه أو ليس في عذاب قد كف بصره؟
وأخرج ابن جرير من طريق الشعبي عن عائشة أنها قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة. قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هشام:
هجوت محمدًا وأجبت عنه ** وعند الله في ذاك الجزاء

فان أبي ووالده وعرضي ** لعرض محمد منكم وقاء

أتشتمه ولست له بكفء ** فشركما لخير كما الفداء

لساني صارم لا عيب فيه ** وبحري لا تكدره الدلاء

فقيل: يا أم المؤمنين أليس هذا لغو؟ قالت: لا إنما اللغو ما قيل عند النساء قيل: أليس الله يقول: {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}؟ قالت: أليس قد أصابه عذاب أليم؟ أليس قد أصيب بصره، وكسع بالسيف، وتعني الضربة التي ضربها إياه صفوان بن المعطل حين بلغه عنه أنه تكلم في ذلك فعلاه بالسيف وكاد يقتله؟؟
وأخرج محمد بن سعد عن محمد بن سيرين؛ أن عائشة كانت تأذن لحسان بن ثابت، وتدعو له بالوسادة وتقول: لا تؤذوا حسان فإنه كان ينصر رسول الله بلسانه وقال الله {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} وقد عمي، والله قادر أن يجعل ذلك العذاب العظيم عماه.
وأخرج ابن جرير وابن ابي حاتم عن الضحاك {والذي تولى كبره منهم} يقول: الذي بدأ بذلك.